فصل: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {اقتربت الساعة وانشق القمر} (القمر: 1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولك التوحيد والتأنيث نحو قراءة ابن مسعود {خاشعة أبصارهم} ولك الجمع نحو {خشعًا أبصارهم} اهـ.
و {أبصارهم} فاعل {خشعًا} ولا ضير في كون الوصف الرافع للفاعل على صيغة الجمع لأن المحْظور هو لحاق علامة الجمع والتثنية للفعل إذا كان فاعله الظاهر جمعًا أو مثنى، وليس الوصف كذلك، كما نبه عليه الرضِيُّ على أنه إذا كان الوصف جمعًا مكسَّرًا، وكان جاريًا على موصوف هو جمع، فرفع الاسم الظاهر الوصف المجموع أولى من رفعه بالوصف المجموع المفرد على ما اختاره المبرد وابن مالك كقول امرىء القيس:
وقوفًا بها صحبي على مطيّهم

وشاهد هذا القراء.
وقوله: {يقول الكافرون} إظهار في مقام الإِضمار لوصفهم بهذا الوصف الذميم وفيه تفسير الضمائر السابقة.
والأجداثُ: جمع جَدث وهو القبر، وقد جعل الله خروج الناس إلى الحشر من مواضع دفنهم في الأرض، كما قال: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55] فيعاد خلق كل ذات من التراب الذي فيه بقية من أجزاء الجسم وهي ذرات يعلمها الله تعالى.
والجراد: اسم جمع واحدُهُ جرادة وهي حشرة ذات أجنحة أربعة مطوية على جنبيها وأرجل أربعة، أصفر اللون.
والمنتشر: المنبثّ على وجه الأرض.
والمراد هنا: الدَّبَى وهو فراخ الجراد قبل أن تظهر له الأجنحة لأنه يخرج من ثُقببٍ في الأرض هي مَبيضاتُ أصوله فإذا تم خلقه خرج من الأرض يزحف بعضه فوق بعض قال تعالى: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} [القارعة: 4].
وهذا التشبيه تمثيلي لأنه تشبيه هيئة خروج الناس من القبور متراكمين بهيئة خروج الجراد متعاظلًا يسير غير ساكن. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)}.
أخرج النحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة القمر بمكة.
وأخرج ابن الضريس وابن مردوية والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: نزلت بمكة سورة {اقتربت الساعة}.
وأخرج ابن مردوية عن ابن الزبير مثله.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال: قارئ اقتربت تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تبيضّ الوجوه قال البيهقي: منكر.
وأخرج الديلمي عن عائشة مرفوعًا من قرأ ب (الم تنزيل) و(يس) و{اقتربت الساعة} و{تبارك الذي بيده الملك} كن له نورًا وحرزًا من الشيطان والشرك، ورفع له في الدرجات يوم القيامة.
وأخرج ابن الضريس عن إسحق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه من قرأ {اقتربت الساعة وانشق القمر} في كل ليلتين بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر.
وأخرج ابن الضريس عن ليث عن معن عن شيخ من همدان رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ {اقتربت الساعة} غبا ليلة وليلة حتى يموت لقي الله تعالى ووجهه كالقمر ليلة البدر».
وأخرج أحمد عن بريدة أن معاذًا بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها {اقتربت الساعة} فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب، فقال له معاذ قولا شديدًا فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه فقال: إني كنت أعمل في نخل وخفت على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلي بالشمس وضحاها ونحوها من السور».
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وابن جرير وابن المنذر والترمذي وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة فرقتين فنزلت {اقتربت الساعة وانشق القمر} إلى قوله: {سحر مستمر} أي ذاهب.
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: رأيت القمر منشقًّا شقتين بمكة قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء، فقالوا: سحر القمر، فنزلت {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال مجاهد: يقول كما رأيتم القمر منشقًا فإن الذي أخبركم عن {اقتربت الساعة} حق.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه من طريق أبي معمر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق الأسود عن عبد الله قال: رأيت القمر على الجبل وقد انشق فأبصرت الجبل من بين فرجتي القمر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق مسروق عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، فقالوا: انتظروا ما يأتيكم به السفار فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فجاء السفار فسألوهم فقالوا: نعم قد رأيناه فأنزل الله {اقتربت الساعة وانشق القمر}.
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق علقمة عن ابن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر حتى صار فرقتين، فتوارت فرقة خلف الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا».
وأخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والحاكم والبيهقي وأبو نعيم في الدلائل من طريق مجاهد عن ابن عمر في قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال: كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فرقتين فرقة من دون الجبل وفرقة خلفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشهد».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم في قوله: {وانشق القمر} قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقال الناس: سحرنا محمد، فقال رجل: إن كان سحركم فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال: قد مضى ذلك قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه.
وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سحر القمر، فنزلت {اقتربت الساعة وانشق القمر} إلى قوله: {مستمر}.
وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس في قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال: اجتمع المشركون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاصي بن وائل والعاصي بن هشام والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والنضر بن الحرث، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين نصفًا على أبي قبيس ونصفًا على قعيقعان، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إن فعلت تؤمنوا؟» قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعطيه ما سألوا فأمسى القمر قد مثل نصفًا على أبي قبيس ونصفًا على قعيقعان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي يا أبا سلمة، بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم «اشهدوا».
وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء عن ابن عباس قال: انتهى أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل من آية نعرف بها أنك رسول الله؟ فهبط جبريل، فقال: يا محمد قل: يا أهل مكة إن تختلفوا هذه الليلة فسترون آية فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالة جبريل، فخرجوا ليلة أربع عشرة، فانشق القمر نصفين نصفًا على الصفا ونصفًا على المروة، فنظروا ثم مالوا بأبصارهم فمسحوها ثم أعادوا النظر فنظروا، ثم مسحوا أعينهم، ثم نظروا، فقالوا: يا محمد ما هذا إلا سحر ذاهب، فأنزل الله {اقتربت الساعة وانشق القمر}.
وأخرج أبو نعيم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: جاءت أحبار اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أرنا آية حتى نؤمن فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يريه آية فأراهم القمر قد انشق فصار قمرين أحدهما على الصفا والآخر على المروة قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليه، ثم غاب القمر، فقالوا: هذا {سحر مستمر}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: {اقتربت الساعة وانشق القمر} ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم الضمار وغدًا السباق.
وأخرج ابن المنذر عن حذيفة أنه قرأ {اقتربت الساعة وقد انشق القمر}.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: كان انشقاق القمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر، فقالوا: هذا سحر أسحر السحرة فاقلعوا كما فعل المشركون إذا كسف القمر ضربوا بطساسهم وعما اصفر أحبارهم، وقالوا: هذا فعل السحر وذلك قوله: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: ثلاث ذكرهن الله في القرآن قد مضين {اقتربت الساعة وانشق القمر} قد انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى رآه الناس {سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 45] وقد {فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد} [المؤمنون: 77].
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} قال: رأوه منشقًا فقالوا: هذا سحر ذاهب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {وكل أمر مستقر} قال: يوم القيامة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {وكل أمر مستقر} قال: بأهله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير عن قتادة {وكل أمر مستقر} قال: مستقر بأهل الخير الخير وبأهل الشر الشر.
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)}.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر} قال: هذا القرآن مزدجر قال: منتهى.
وأخرج عبد بن حميد عن عمر بن عبد العزيز أنه خطب بالمدينة فتلا هذه الآية {ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر} قال: أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام وأنبأكم فيه ما تأتون وما تدعون، لم يدعكم في لبس من دينكم، كرامة أكرمكم بها، ونعمة أتم بها عليكم.
قوله تعالى: {خشعًا أبصارهم}.
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه كان يقرأ {خاشعًا أبصارهم} بالألف.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {خُشَّعًا أبصارهم} برفع الخاء.
وأخرج ابن جرير عن قتادة {خاشعًا أبصارهم} أي ذليلة أبصارهم، والله أعلم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مهطعين إلى الداع} قال: ناظرين.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {مهطعين} قال: مذعنين خاضعين، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول تبع:
تعبدني نمر بن سعد وقد درى ** ونمر بن سعد لي مدين ومهطع

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {مهطعين إلى الداع} قال: عامدين إلى الداعي.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {مهطعين إلى الداع} قال: منطلقين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن تميم بن حدلم في قوله: {مهطعين} قال: الإِهطاع التجميح.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {مهطعين إلى الداع} قال: هو النسلان.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {مهطعين إلى الداع} قال: صائخي أذانهم إلى الصوت. اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1]:

بقلم: زغلول النجار:
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة القمر، وهي سورة مكية، يدور محورها حول قضية الإيمان بوحي السماء الذي أنزله ربنا تبارك وتعالى علي فترة من الرسل، وأتمه وأكمله، وحفظه في الوحي الخاتم المنزل علي الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك تحمل السورة علي المكذبين ببعثته الشريفة، وبالآيات التي أيده الله تعالى بها، وفي مقدمتها القرآن الكريم، وذلك انطلاقا من غرورهم، وكبرهم، وغطرستهم، وصلفهم، وتتوعدهم الآيات بالشقاء في الدنيا وبالمصير المخزي في الآخرة كما حدث مع الذين كذبوا بالرسالات السابقة.
وتطالب سورة القمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن هؤلاء الكافرين، وإمهالهم إلي يوم البعث العظيم، يوم يخرجون من قبورهم كأنهم جراد منتشر وهو يوم الفزع الأكبر، والهول الأكبر الذي نسأل الله تعالى أن يجيرنا من فزعه وأهواله اللهم آمين.